—
عاش الطبيب النفسي الألماني فرانكل تجربة إعتقال في الحرب العالمية الثانية، ووصف ماعاشه بإنه إغفال للوجود الإنساني، حيث أنهم عايشوا أسوء طرق التعذيب، والإعدام بالغاز فقد كانوا يتعرضون لثلج القارص بلا ألبسة تحميهم، ولا أسرة تأويهم، وكانوا يعملون لساعات طويلة وشاقة ولا يلقون قِبال ذلك من الطعام سوى فُتات خبز وحساء، وغالباً ما كان قدر الحساء إرجاء حقيقي للموت من الجوع. وإضافة إلى ذلك أنه لا وجود لبصيص الأمل في حياتهم فهم لا يعلمون هل سيتم الإفراج عنهم أم ستنتهي حياتهم هنا.!
ومن ذلك ضعفت مناعتهم وانتشر بينهم مرض التيفوس؛ وأن من يعرف مدى الإرتباط الوثيق بين حالة العقل عند الإنسان من توافر الأمل والشجاعة أو الإفتقار إليهما، ويربط بين هذا وبين حالة الجسم ومناعته فإنه يفهم أن الفقدان المفاجئ للأمل والشجاعة قد يكون له تأثير مميت.
استشهاداً بقول نيتشه (أن من يملك سبب يعيش من أجله فإنه يستطيع غالباً أن يتحمل العيش بأي طريقة وبأي حال). وقد كان في المعسكر بعض محاولات الإنتحار بسبب فقدان الأمل في المستقبل وعدم وجود معنى للحياة. وكان تبريرهم بأنه لم يعد هناك شيء أكثر يمكن توقعه من الحياة، ولكن الطبيب فرانكل نجح بإنقاذهم وقد كان ينشر الأمل بتعديل فكرتهم نحو الحياة، بأن ماهو متوقع من الحياة ليس في واقع الأمر هو موضع الأهمية، بل إن مايعنينا هو ما الذي تتوقعه الحياة منا. فهناك أشياء متوقعه منهم في المستقبل، وقد كان هذا الشيء المتوقع لأحدهم هو ابنه الذي يهيم به وينتظره في بلاد أجنبيه، والآخر كان عالماً وقد ألف سلسلة كتب لا تزال بحاجة إلى إتمام، ولا يمكن لأي شخص أن يقوم بعمله بدل عنه، هذا هو التفرد الذي يميز كل فرد عن الآخر والذي يعطي معنى لوجوده ينطوي على عمل إبداعي، بقدر ماينطوي على حب إنساني.
نتيجة لما حدث للطبيب الألماني فرانكل؛ أنشئ نظريته. (العلاج بالمعنى، Logotherapy) أو ما تسمى ب مدرسة فيينا الثالثة في العلاج النفسي:
يركز العلاج بالمعنى على المستقبل (بعكس نظرية التحليل النفسي وهي الرجوع إلى ماضي الشخص) وأن سعي الإنسان إلى البحث عن معنى هو قوة أوليه في حياته وليس تبريراً ثانوياً، فالإنسان قادر على أن يحيا وعلى أن يموت أيضاً من أجل مثله، وقيمه، وطموحاته. فلكل فرد متفرد متميز منا في هذا الكون العظيم مهمته ورسالته الخاصة به والتي يسعى إلى تحقيقها. ومعنى الحياة يتغير دائماً ولكنه لايتوقف أبداً عن أن يكون موجوداً، ووفقاً للعلاج بالمعنى نستطيع أن نكشف هذا المعنى في الحياة بثلاث طرق مختلفة:
1- بواسطة الانخراط بالعمل والإبداع وفعل الخير.
2- بواسطة استخدام الحب لإيجاد القوة والمعنى.
3- بواسطة عيش حالة من المعاناة والموقف الذي نتخذه تجاهها.
وبالتالي يمكن أن تؤكد نظرية المعنى أن الصحة النفسية تستند إلى درجة من التوتر- التوتر بين ما أنجزه الفرد بالفعل وما لايزال عليه أن ينجزه، أو الفجوة بين واقع الفرد وما ينبغي أن يكون عليه. ذلك التوتر كائن في الوجود الإنساني فلا غنى عنه بالنسبة لصحة النفسية، وتعتبر نظرية المعنى أنه لتصور خاطئ وخطير لصحة النفسية الزعم بإن ما يحتاجه الإنسان في المحل الأول هو (التوازن) أو كما يعرف بحالة (اللاتوتر).